اهلا بك في وجهة نظر

المتابعون

الخميس، مايو 29، 2014

نحو مٌقاطعة فعالة

محمد الحسن ولد محمد أحمد


لا يخفى على أحد الجو السياسي المتأزم الذي تمر به موريتانيا منذ زمن وإن اختلفت حدة التأزم تلك من وقت لآخر حسب "مزاج" أصحاب السلطة والراسمين سياسياتها التي تبدو في مجملها غير مٌشجعة في نهاية مأمورية وعد صاحبها بحل الكثير من المشاكل المٌلحة قبل أن يزيد تلك المشاكل بل ويٌعمق من بعضها لتأخذ بٌعدا أكثر استفحالا وأشد استعصاء على الحل في القريب العاجل على الأقل!!

 

حتى لا ننسى..


في صباح 3 أغشت 2008م استيقظ الشعب على ضابط موريتاني مع مجموعة من زملائه يٌطلقون رصاصهم - الذي لم يجرب إلا في الداخل - على حلم موريتانيا، ويطأون بأحذيتهم على وطن لم تمض عليه سوى سنة في طريق فطام مؤلم شهدت فترته الكثير من التذمر واصطناع الأزمات تماما كفِعل الصبية فترة الفطام غير أن ردة فعل الضباط وكتيبتهم البرلمانية كانت في طريقها للحسم والرجوع  لسابق عهدها "البيان رقم 1"  لتدخل موريتانيا فترة من الشد والجذب بين القوى الديمقراطية والتي لم تكن داعمة لترشح الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله وقوى أدمنت التصفيق وألفت العيش "من المبادئ" وقيم الحرية وتحرر الشعوب ورأت في كل "بيان" منذ 1978م فرصة للتوظيف والتعيين وملء البطون على حساب شعب عانى من نٌخب "الانبطاح" حتى اللحظة.

لم تكن الٌمواجهة بين القوى الديمقراطية مٌمثلة في "الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية" والقوى الداعمة للانقلاب بقيادة الكتيبة البرلمانية سهلة ولم تكن طريقها مفروشة بالورود ككل فعل نضالي يسعى لتحرير البشر ويقف في وجه الطغيان والتسلط بل استنشقوا في سبيل استعادة الوطن الكثير من مٌسيلات الدموع وتظاهر الشعب مٌعبرا عن رفضه "للانقلاب لمدة تٌقارب تسعة أشهر بثبات وطول نفس أثبت للعسكر أنهم لن يهنأوا بحكم الشعب كرها مما دفعهم للدخول في "حوار داكار" الذي كان دخوله خطأ سمح للعسكر بالعودة بلبوس مدني.

 كان الجميع - رغم معارضة البعض مبدئيا للرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله - يرى فيه رجلا مدنيا يستطيع على الأقل أن يضرب سدا بين العسكر والسلطة في بلاد عانت لعقود زواجا قسريا بين "السلطة - العسكر" ولم تكن خطوات الرئيس لتحرير السلطة سريعة بل كانت متأخرة وأتت بعد تأزم الأوضاع وتحرك الكتيبة البرلمانية لإرباك المشهد تمهيدا للبيان رقم: 1.

لأول مرة...


يمكن لمن يرقب المشهد الموريتاني ويلاحظه أن يخرج بمجموعة من الملاحظات أهمها أن النظام الحالى حدثت في فترته أشياء لم تحدث في موريتانيا من قبل، لسوء الحظ أو لسوء التدبير، ولا خير في الاثنين: فيمكن لنا أن نقوم بتعداد أمور حصلت في موريتانيا.

فلأول مرة في موريتانيا يُقدم شاب موريتاني على إحراق نفسه قرب القصر الرئاسي، وتتكرر الظاهرة نفسها في المكان نفسه وللسبب نفسه: ظلم وفساد ينخر جسم الدولة ويتضرر منه المواطن كيف كان ومهما كان...

لأول في مرة موريتانيا تختطف القاعدة عسكريا من مدينة كانت آمنة في عمق الشرق الموريتاني وتهدد بقتله...

لأول مرة تنتظم مجموعات شبابية تطالب بثورة شعبية تُخلص البلاد والعباد من الحكم الحالي.

لأول مرة في موريتانيا يتم إطلاق النار على فتاة موريتانية من قبل ابن رئيس الدولة؛

لأول مرة في موريتانيا يٌصاب رئيس الدولة برصاصة مجهولة المصدر والسبب والمكان..؟!

لأول مرة ترتفع الأسعار بشكل مذهل ومتسارع، وخصوصا أسعار البنزين، وفي ذلك رسالة مفادها: أن الدولة لن تألو جهدا في جعل المواطنين في ظروف يحترقون من مرارتها ليتأكدوا أن "مخزون" العدالة الذي وٌعد بتوزيعه سراب بقيعة...

لأول مرة ترى المواطنين ينتظمون في طوابير سعيا لسد رمق فلذات أكبادهم أمام "دكاكين أمل" ليتضح أن أمل الفقراء في العيش بكرامة لما يسلكوا طريقه وأن طابورهم في المكان الخطإ...

هناك الكثير من "لأول مرة في موريتانيا" لا يحضرني كله، لكني على يقين أن موريتانيا اليوم تمر بظروف لأول مرة تشهدها، هذه الظروف تستدعي من الجميع أن يكون على مستوى التحدي، وأن يعترف النظام ويقر بأن المرحلة الراهنة التي مرت وتمر بها بعض الدول العربية ليست خاصة بهم، بل هي نتيجة لممارسات غير مقبولة وحكم بعقلية لم تعد الشعوب راضية عنها، فالشعوب اليوم أصبحت واعية بمصالحها ولن تقبل أن تساق كقطعان نحو المجهول...

فهل سيكون هناك مقال بعنوان: "لأول مرة يٌقاطع الشعب الموريتاني الانتخابات الرئاسية؟
 
لإجابة السؤال بإيجابية علينا استثمار التحالف السياسي الكبير "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" استثمارا يخدم الهدف وينحو نحو مٌقاطعة فعالة بطرق سلمية ولذلك اقترح:

- أن تنطلق حملة المٌقاطعة بالتزامن مع الحملة الرئاسية بشكل رسمي مٌنظم يشرح للشعب أهداف المٌقاطعة والسبب فيها.
- أن تكون هناك حملات داخلية مٌكثفة موازاة مع انطلاق الحملة.
- أن لا تنحصر الدعاية والمهرجانات في انواكشوط بل يجب أن تشمل العواصم والمقاطعات والبلديات في الداخل.
- أن تكون هناك لجان مٌكلفة رسميا من المنتدى لكل ولاية ومٌقاطعة وبلدية.
- أن يتحمل الشباب دوره الريادي والفعال وأن يٌنظم جولات تجوب كل ولايات ومقاطعات الوطن ولنسمه "ماراتون المٌقاطعة".

الفٌرصة اليوم مٌواتية والشعارات التي رٌفعت وانخدع بها الشعب تبين زيفٌها وشهد الشعب أنها جعجعة لا طحين بها.

وإلى مقال يٌكتب عن نسبة مٌشاركة أقل من التي في مصر أترككم بخير وأزف التحية لشعب مصر العظيم الذي لقن العسكر درسا وأثبت له أن "السلمية أقوى من الرصاص" وأن طموحات الشعوب وتطلعاتها أكبر من أن تٌحجب بزي عسكري أيا كان ذلك الزي.

الأربعاء، فبراير 05، 2014

ولد منصور يكتب: مقاربات حول الإسلام والديمقراطية

إسهاما في الحوار:  مقاربات حول الإسلام والديمقراطية        

في مناسبة سابقة قررت أن أكتب هذا المقال فشرعت فيه ثم توقفت وانشغلت، ولكن الموضوع عاد يطرق على الباب فبعض الإسلاميين – وإن من خلفيات مختلفة – يصر على أن الإسلام لا يقبل الديمقراطية ولا يستطيع التعايش معها، وطائفة من السلفيين توزع أحكام الحرمة والمنع على الانتخابات والأحزاب وسائر متعلقات العملية الديمقراطية، ويخلط  البعض على نحو لا تسعفه العلمية بين الديمقراطية والعلمانية، كما أن بعض العلمانيين ما زال يصر على أن المرجعية الدينية – وهي في هذه الحالة إسلامية – تناقض المفهوم الديمقراطي ولا تلتقي معه، وكل إسلامي يدعي الديمقراطية أو يقبلها عاقد العزم على خلاف ذلك في الحال أو في المآل وأن المواقف السياسية بالقبول لا تعززها رؤية فكرية بالاستيعاب....


ثم جاءت أحداث مصر وانقلاب السيسي على التجربة الديمقراطية وهو ما ولد شعورا بأن الممارسة الديمقراطية وهم وليس للإسلاميين فيها مكان فاستعجل البعض فاتهم الديمقراطية بالقصور وطريقها بالفاشل لأن عسكريا متعطشا للسلطة انقلب في مصر مستهدفا الديمقراطية والكاسبين فيها معا، فالخصومة مع الانقلاب والاستبداد لا مع الديمقراطية والانتخاب، وهكذا قررت أن أكمل المقال وقد أسهم بعض المعلقين على "تويتر" في هذا القرار بسؤالهم المتكرر والمستفز أحيانا عن المقال الذي كنت قد وعدت به سابقا.

ولعلي مطالب أن أعتمد تعريفا للديمقراطية به التزم في هذه المقاربة وعلى ضوئه يحاسبني القراء والمهتمون ويساعدني د. صالح حسن سميع في كتابه القيم "أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي: دراسة علمية موثقة" بضبط دلالة هذا المصطلح حين يقول "فالديمقراطية في أصلها اللغوي وسياقها التاريخي لا تحمل إلا مفهوما سياسيا واضحا ومحددا وهو: حكم الشعب بالشعب وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في التاريخ في كتاب (تاريخ حرب البيلو بونيز) من تأليف المؤرخ اليوناني توسيد يدس – 460 – 400 – ق.م "أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي ص: 47.

ومع ذلك لا يفوته وقد وثق التعريفات المشهورة والمتداولة أن يشير إلى حجم ما تعرض له مصطلح الديمقراطية من توظيف حتى من أبعد الناس عن مقتضياتها    "إن من الظواهر التي لا تخطئها العين في تاريخ الفكر السياسي أنه لم تستغل كلمة في تاريخه بقدر ما استغلت كلمة الديمقراطية ولعله لم يهدر معنى كلمة أو يشوه بقدر ما حدث لها" نفس المرجع ص: 48.

وحتى لا أضيق على نفسي بإضافات المدرسة الليبرالية وسياق تطور الديمقراطية في ظلها وما صاحبها من جراء ذلك مما لا يستطيع البعض تصور فصله عنها أخلص إلى القول بأن جوهر الديمقراطية أن يكون الحكم صادرا عن الشعب، فمصدر الشرعية الوحيد هو الناس واختيارهم، ووسيلة العزل الوحيدة هي الناس  وانتخابهم، وملحقات ذلك ومقتضياته المعروفة؛ فصلا للسلطات وتشريعا للتداول السلمي على السلطة ومنحا للحقوق لكافة مكونات الشعب وقواه.

أما مادة الحكم وبرنامجه، أما القوانين وما تحويه فهذا يعود إلى اختيار أغلبية الناس ولذلك نجد الديمقراطية تفضي إلى سلط وحكومات تختلف مرجعياتها وبرامجها وأنماط إدارة الحكم عندها ولنا أن ندرك أن الحكم في فرنسا والهند وتركيا والبرازيل والسنغال وغزة إفراز للديمقراطية ولن نجد صعوبة في الحكم على اختلاف هذه الحالات فكريا وسياسيا واجتماعيا فلا داعي لتحميل الديمقراطية فوق ما تتحمل.

لست من البساطة بحيث يغيب عني أن الديمقراطية تطورت ونضجت في سياق الحضارة الغربية قديمها وحديثها ولذلك ثمنه من مصاحبات ثقافية واجتماعية تنتمي لفضاء القوم وتترجم الفلسفة اللا دينية وأحيانا في صورها الأشد قتامة، ولكني مع ذلك أدرك أن الفصل ممكن، وأن اتساع المجال في التعاطي مع الديمقراطية وشموله لأمم وشعوب تعددت دياناتها وتباينت ثقافاتها أعطاها بعدا عالميا وحررها أو كاد من كثير مما يصر متطرفو العلمانيين ومتشددو الإسلاميين على لصقه بها وجعله ملازما لها، وفي كتابه "الأمة هي الأصل" نفى الدكتور أحمد الريسوني هذا التلازم الذي يصر عليه هؤلاء: "فهذه الأمور التي نعتقد أنها من لوازم الديمقراطية ليست من لوازمها في الحقيقة، فيمكن إذن أن تنتقل جملة من المفاهيم ومن الأفكار ومن المبادئ الديمقراطية من دون أن ينتقل معها كلما لازمها في دولة معينة أو في حقبة تاريخية معينة" الأمة هي الأصل ص: 45.

ولأننا في هذا الحديث نود تصحيح العلاقة بين الإسلام والديمقراطية – من وجهة نظر معينة طبعا – فإن حديثا في الرؤية السياسية في الإسلام يصبح لازما وبه نستطيع التأسيس لهذه العلاقة الإيجابية مع الديمقراطية استيعابا واستنباتا وهي عادة الإسلام وحضارته مع النبتات الطيبة والحكمة المفيدة أيا كان مصدرها لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.

ليس من المجازفة القول إن الإسلام آثر الإجمال على التفصيل في الشأن السياسي  وأن البناء السياسي في الإسلام تحددت قواعده وموجهاته ولم تتحدد طرائقه وإجراءاته وأن للزمان وإضافاته والمكان وخصوصياته والفكر وتطوراته دور في الاجتهاد السياسي في الإسلام.

يقوم البناء السياسي الإسلامي على قواعد من أهمها ومما له صلة واضحة بموضوعنا: الشورى، وهو مصطلح تعرض للكثير حتى تصوره البعض سلوكا اختياريا يمكن للحاكم أن يمارسه ويحق له تركه إن شاء وأن نتائجه للإعلام وعلى سبيل الاسترشاد وليست للأخذ ولا هي على سبيل الإلزام... والشورى مصطلح له أصل لغوي أوضحه ابن منظور في لسان العرب قائلا: "فالشورى والمشاورة والمشورة: مصادر للفعل شاور فتقول: شار العسل يشوره شورا وشيارا وشيارة ومشارا ومشارة: أي استخرجه من الوقبة واجتباه، كما أن الشورة والشارة هي – غالبا – الهيئة والمظهر الحسن" لسان العرب، ج: 4، ص: 2356 – 2357.

والشورى صفة لأمة المسلمين "و الذين استجابوا لربهم، و أقاموا الصلاة و أمرهم شورى بينهم و مما رزقناهم ينفقون، والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" الشورى: 38 – 39.

وقد نقل الإمام القرطبي تعليقا على هذه الآية: "قال الحسن: ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم.. وقال ابن العربي: الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب وما تشاور قوم إلا هدوا" الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 16 / 25.

وزاد في الإيضاح رابطا هذه الشورى في أول أمرها بالموضوع السياسي: "وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة، فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينص عليها حتى كان فيها بين أبي بكر والأنصار ما سبق بيانه.. وتشاوروا بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحروب، حتى شاور عمر الهرمزان حين وفد عليه مسلما في المغازي" نفس المرجع: 16 / 25 – 26.

وجاء القرآن بالأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بممارسة الشورى وبالتالي هو أمر لخلفائه وأتباعه والسائرين على نهجه: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين" آل عمران: 159.

قال القرطبي: "قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه" القرطبي: 4 / 161.

وأورد الحافظ ابن كثير ما تضمن ردا على من يفسر العزم على غير الوجه الشوري المطلوب قال: "وروى ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن العزم فقال: مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم" تفسير ابن كثير: 2 / 143.

وقد أحسن الدكتور حسن الترابي بحسه اللغوي الرفيع حين أوضح صيغة الترابط في الآية: "ولم تقل الآية أو شاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل على الله لتخير في أن يأخذ بالشورى أو يعزم في الأمر وحده بل كان رابط الجملتين الفاء التعقيبية ليكون العزم فالتوكل عقب الشورى وبناء عليها" الشورى و الديمقراطية: إشكالات المصطلح والمفهوم، ص: 18.

ونقل الإمام ابن القيم تأصيلا داعما لهذا التوجه حين قال: "ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله: الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولم تمض فيه سنة، قال صلى الله عليه وسلم : اجمعوا العالمين، أو قال العابدين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد" إعلام الموقعين: 1 / 65.

أما الشهيد سيد قطب فيقطع معلقا على هذه الآية: "وبهذا النص الجازم (وشاورهم في الأمر) يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم حتى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يتولاه، وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه أما شكل الشورى والوسيلة التي تتحقق بها فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها وكل شكل وكل وسيلة تتم بها حقيقة الشورى لا مظهرها فهي من الإسلام" في ظلال القرآن.

ولمصطلح الشورى حدود وتعريفات وفق بعض المعاصرين في تصورها يقول الدكتور عبد الحميد الأنصاري إن الشورى هي "استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها" وحدد عناصر التعريف في "حق الأمة في أخذ رأيها في اختيار الحاكم الذي ترتضيه، وأخذ رأيها في كل الأمور الهامة، وفي حقها في أن تحكم نفسها وفقا لإرادتها ، و من أجل مصلحتها و أخيرا حقها في الرقابة والمعارضة والنقد والتقويم" الشورى وأثرها في الديمقراطية، ص: 4.

ويعلق د. حسن صالح سميع على بعض التعريفات المحدودة والمضيقة لمفهوم الشورى: "والمتأمل لتلك التعريفات يجد أنها قيلت وفي ذهن قائلها تلك الصورة المبسطة لعملية الشورى في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم حيث كانت الحياة السياسية والدستورية تتسم بالبساطة"، ثم يعقب شارحا جوهر المفهوم: "إن جوهر مبدأ الشورى يعني: حق الأمة في إدارة شؤونها بنفسها إلا أن تطبيقات المبدأ تختلف في صورها وفي وسائلها باختلاف الزمان والمكان" مرجع سابق، ص: 52.

ولعل الشيخ راشد الغنوشي وهو الذي أعطى وقتا للمسألة السياسية تأصيلا وتنظيرا وجمع فيها بين التفكير والممارسة يساعد في ضبط المعنى والدلالة حين يقول: "إن الشورى في الإسلام ليست حكما فرعيا من أحكام الدين يستدل عليه بآية أو آيتين وبعض الأحاديث والوقائع، وإنما هي أصل من أصول الدين، ومقتضى من مقتضيات الاستخلاف أي أيلولة السلطة الربانية إلى العباد الذين أعطوا الميثاق لله أن يعبدوه" الحريات العامة في الدولة الإسلامية، ص: 109.

ومن الأدلة المهمة التي ذكرها البعض على الشورى وعلى إخراجها من المقاربة الفردية إلى المقاربة الجماعية آية الاستخلاف: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا" النور: 55.

وقد أورد القرآن استبداد فرعون في سياق الذم "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" وشورية ملكة سبأ في السياق الإيجابي "أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون".

وعلى المستوى التطبيقي كانت صيغة اختيار الحكام في التجربة النموذج تجربة الخلافة الراشدة – وهي نموذج بدلالاتها ومقاصدها وضوابطها – لأنه تظهر في أشكال التطبيق خصوصية اللحظة والسياق مترجمة لهذه الشورى، ففي السقيفة اجتمع رؤوس المهاجرين والأنصار لينتهي تداولهم ونقاشهم إلى اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وليبايعه الناس في المسجد، وفي مرض وفاته دعا أبو بكر الناس إلى الاجتماع ليؤكد لهم ضرورة اختيار خليفة له قائلا: "فإن شئتم اجتهدت لكم رأيي" وكان الجواب "أنت خيرنا وأعلمنا فاختر لنا" فأوصى لعمر رضي الله عنه وبايع الناس، يعلق شيخ الإسلام  ابن تيمية قائلا: "وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إماما لما بايعوه وأطاعوه، ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماما" منهاج السنة: 1 / 142.

وفي بيعة عثمان رضي الله عنه اختار عمر الستة ووضع لهم ضوابط وإجراءات، ثم أشرف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على شورى عامة فخرج "يتلقى الناس في أثقاب المدينة متلثما لا يعرفه أحد، فما ترك أحدا من المهاجرين والأنصار وغيرهم من ضعفاء الناس ورعاعهم إلا وسألهم واستشارهم" وفي رواية أخرى "حتى خلص إلى النساء المخدرات في الحجاب"، وكانت النتيجة أن اختار الناس عثمان رضي الله عنه وبايعوه و كان تعليق الخليفة عمر كما ورد في الصحيح كافيا لضبط مصدر الشرعية "بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر لبايعت فلانا فلا يفرق امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن وقى الله شرها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو والذي بايعه تغرة أن يقتلا" فتح الباري 12 / 144 – 145.

أما بيعة الإمام علي رضي الله عنه عندما اجتمع إليه الناس في بيته وأرادوا بيعته قال: "إن بيعتي لا تكون خفية ولا تكون إلا في المسجد، ومشهور عن الأمير العادل عمر بن عبد العزيز أنه بعد عهد سليمان له بالخلافة صعد المنبر وقال: " أيها الناس إني لست بمبتدع ولكني متبع وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوال" البداية والنهاية: 9 / 182 – 183.

وواضح أن للشورى في التصور الإسلامي مجالين مجال الاختيار ومجال الممارسة، فالشورى قبل أن تكون أسلوبا مطلوبا من الحاكم هي قاعدة اختياره  ونيله الشرعية ولا عبرة بالضرورات والممارسات التي انتهى البعض إلى اعتبارها مصدرا للشرعية وما هي كذلك سواء في ذلك ولاية العهد أو شوكة التغلب.

وإذا حررت الشورى من تضييق المجال وتوجيه الدلالة الذي عانت منه في مراحل الانحراف السياسي في تاريخ الأمة، وحررت الديمقراطية مما علق بها مما ينتسب لثقافة وممارسة من تطورت عندهم مما لا يناسب خصوصيتنا الحضارية، يصبح اللقاء ممكنا بل ومطلوبا.

وهنا يلزمنا التوقف عند جملة إشكالات يثيرها البعض ويصر على أنها كافية للقول بأن الإسلام لا يقبل الديمقراطية أو أن الديمقراطية لا تناسب المسلمين.

يجمل معظم الرافضين للديمقراطية، المعتبرين أنها تناقض الإسلام والذين يرون في تبني الخيار الديمقراطي "تخليا عن الدين واعتناقا لمذهب آخر" وأن الديمقراطية "لا تغرس الوازع الإيماني ولا تؤلف بين القلوب ولا تدل الناس على الله ولا تقيم العدل الحق ولا تطعم الناس من جوع ولا تؤمنهم من خوف"، وانتهى بعضهم (حافظ صالح) إلى القول بتحريم مصطلحي الحرية والديمقراطية، يجمل معظم هؤلاء مظاهر الاختلاف أو التناقض بين الإسلام والديمقراطية في الخلاصات التالية:

-  مصدر التشريع في الديمقراطية الناس والشعب، ومصدر التشريع في الإسلام الوحي "إن الحكم إلا لله" وتعتبر الديمقراطية الشعب حكما وحيدا يرجع إليه بينما الإسلام يقرر "فردوه إلى الله و الرسول".

-  تبيح الديمقراطية حرية الدين والاعتقاد وتجيز الردة، وهذا خلاف الإسلام الذي يقتل المرتد ويجرم الرجوع عن الإسلام، كما تتيح الديمقراطية حرية التعبير مطلقا، وفي الإسلام تعبير جائز وتعبير محرم، والحرية الشخصية بلا حدود في الديمقراطية وتحدها حدود الشرع في الإسلام.

- الإسلام دين شامل للحياة والديمقراطية تقوم على أصل فصل الدين عن الدولة.

- الديمقراطية لا تحد حرية إنشاء الأحزاب والتجمعات مهما كانت عقيدتها أو توجهها والإسلام يمنع التعاون على غير البر والتقوى، والديمقراطية تساوي بين جميع الناس والإسلام لا يساوي بين العالم والجاهل أو بين أهل الحل والعقد وغيرهم.

-  الديمقراطية تعتبر معيار الأكثرية لا الدليل والبرهان، والإسلام يريد الحق ولو قل أهله ولا يقبل إلا ما وافق الكتاب والسنة.

ونحن هنا للتعاطي مع هذه الإشكالات أو لرفع اللبس تجاه هذه الشبهات يهمنا أن نوضح أن دفاعنا عن الديمقراطية ومرافعتنا عن انسجامها مع الإسلام وقابليته لاستيعابها ينطلق من تحفظ مسبق خلاصته أن الديمقراطية حصاد فكر بشري – قد يكون أخذ من أصول متنوعة فيها الديني وفيها الوضعي –، أجابت على إشكالات تسيير الاختلاف وبناء السلطة، تقبل التطوير وتقبل التكيف وتقبل الإضافة، ويستطيع الفكر السياسي وهو يتطور وتتلاقى فيه إبداعات البشرية وإسهامات مختلف الحضارات أن يتوصل لأحسن منها وأن يجود ويطور ويجدد، ولكنها إلى الآن مثلت – خصوصا مع تحريرها من مساوئ التطبيق – منهجا من أحسن ما يدير به الناس شأنهم في السياسة والحكم.

والآن أسجل جملة من الأفكار من شأنها تحقيق هدف رفع اللبس والرد على الشبه:

1 – يخطئ من يعتبر الديمقراطية دينا أو مذهبا مقابلا للإسلام وعقائده وأحكامه، فالإسلام إجابة على أسئلة الإنسان كلها في الوجود والأصل والمصير، في الاعتقاد والأخلاق والحياة، في العبادات تفصيلا، وفي الشأن العام قواعد وكليات وأحكاما، وحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم وضح لنا أنواع العقول في التعامل مع هدى الإسلام مفضلا عقل الفهم والعلم و التبليغ "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"  البخاري.
فلا خير في القيعان والأجادب مفضولة...

أما الديمقراطية فأسلوب لتنظيم الشأن السياسي في إجراءاته وآلياته، لا تتدخل في عقائد الناس وبالتالي تتكيف معها على اختلافها وتتيح لكل مجتمع أن يعبر من خلال تياره العام وأغلبية أهله عن منهج الحكم ومضمون القوانين... فأنت بقبولك الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة وسيلة للسلطة ولتغييرها، بقبولك للتداول السلمي على السلطة وحق الناس في رقابة حكامهم وعزلهم إن أخلوا وفق نظام معلوم، بقبولك الفصل بين السلطات وتأدية كل منها لدورها المرسوم دستوريا، بقبولك حرية الجميع – في حدود القانون والقواعد العامة – في التعبير والتجمع والنشاط، تكون ديمقراطيا، ولا تشترط عليك الديمقراطية لا في أصولها الأولى ولا في تجلياتها النظرية التي تكاملت لاحقا أن تخاصم الدين أو تتركه أو تتخذ منه موقفا معينا، والقول بذلك خلط لا تسعفه الاعتبارات العلمية بين الديمقراطية والعلمانية، فالديمقراطية إطار لا مذهب له والعلمانية مذهب وإيديولوجيا وتعميمها مصادرة مسبقة لاختيارات كثير من الناس، فالديمقراطية تسع العلمانية ولا تتماهى معها.

2 – القول بأن الديمقراطية تعتبر الناس مصدر التشريع خلافا لمصدرية الوحي في الإسلام قول غير ناهض، ولعلي مطالب هنا بتوضيح فكرة مهمة في الفكر السياسي الإسلامي وهي التفريق بين مصدر الشرعية ومصدر التشريع، فمصدر الشرعية للحاكم أو الحكام هو الناس، وسبق أن أشرنا إلى مظاهر ذلك في اختيار الخلفاء الراشدين، وما قاله شيخ الإسلام حول شرعية اختيار عمر رضي الله عنه وممن كانت، وفي صيغة حصر ونفي يؤكد الإمام علي رضي الله عنه "ولا تنعقد الإمامة إلا ببيعة المسلمين" وبطريقة تؤكد ما ذهب إليه ابن تيمية يورد أحد أبرز كتاب الأحكام السلطانية وهو أبو يعلى الحنبلي "الإمامة لا تنعقد للمعهود له بنفس العهد، وإنما تنعقد بعهد المسلمين" الأحكام السلطانية، ص: 25.

ويؤكد الإمام الباقلاني متحدثا عن الإمامة "لأنه ليس لها طريق إلا النص أو الاختيار وفي فساد النص دليل على ثبوت الاختيار الذي نذهب إليه" التمهيد، ص: 467.

ورضى الناس معتبر في حكامهم وولاتهم، ومواقف عمر رضي الله عنه معينة على هذا المعنى، فقد عزل سعد بن أبي وقاص لا لنقص فيه أو تقصير منه وإنما لأن أهل ولايته أبوه، و كان لا يترك واليا فوق أربع سنين فإن كان عدلا مله الناس، وإن كان جائرا كفى من جوره – وفي ذلك تأسيس لفكرة التداول المحرجة للبعض – وللأستاذ راشد الغنوشي كلام واضح في هذا السياق "تقول أهل التشيع على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا نظامه الشوري كسروية وراثية يتسلمها الأحفاد عن الأجداد كما يتسلمون المواريث حاشى أهل أطهر بيت أن ينسب إليهم دنس النظام الوراثي، إنه النظام الوراثي مهما اختلفت العناوين، وتقول أدعياء التسنن على نبيهم صلى الله عليه وسلم فأولوا إنابته لأبي بكر في الصلاة على أنه استخلاف وكأن المصطفى صلى الله عليه و سلم وهو الذي أوتي جوامع الكلم وهو نبي البيان والملحمة عجز أو خشي أن يقولها صريحة" الحريات العامة، ص: 162.

أما مصدر التشريع فهو الوحي بأصوله ومقاصده وأحكامه وهنا لا بد من التفريق بين الملزم وهو الكتاب والسنة الذي يلزم المسلمين في كل زمان وكل مكان، وبين اجتهادات المسلمين وعلمائهم التي تعين وتفيد وترشد.

والديمقراطية – لعلم من يعلم أو لا يعلم – تحدد الآلية التي يختار بها الناس كيف يشرعون وعلى أي أصل يعتمدون في ذلك التشريع، ألا ترون معي هذا الجدل الواسع في كتابة الدساتير حول مرجعية التشريع، هل هي الشريعة الإسلامية حصرا أو أساسا أم لا تذكر سكوتا عنها أو إلغاء لها...إلخ، ألا يؤكد أن مصدرية التشريع تتقرر حسب التوجه العام للمجتمع ويمكن أن تكون الوحي أو الوضع،وبالتالي فالديمقراطية تحسم في مصدر الشرعية وهنا تتفق مع أحكام الإسلام وقواعد الخلافة الراشدة، ورحم الله الإمام محمد الغزالي حين لخص ذلك المعنى "لقد تعلم المسلمون من دينهم أن طغيان الفرد في أمة ما جريمة غليظة، وأن الحاكم لا يستمد بقاءه المشروع، ولا يستحق ذرة من التأييد إلا إذا كان معبرا عن روح الجماعة ومستقيما على أهدافها، ومن ثم فالأمة وحدها هي مصدر السلطة، والنزول على إرادتها فريضة، والخروج على إرادتها تمرد، ونصوص الدين وتجارب الحياة تتضافر كلها على توكيد ذلك" الإسلام والاستبداد السياسي، ص: 62.

كما تحدد آلية تفضي إلى اختيار مصدر التشريع، ولا أخال مجتمعا مسلما يختلف في مصدرية الشريعة الإسلامية سواء عبر عنها بالمصدر الوحيد أو الرئيسي أو الأساسي أو بعبارة دين الدولة هو الإسلام أو الإسلام دينها، ومعروف أن السلطة التشريعية من أهم أركان الدولة... ومع ذلك يحتاج مفهوم الشريعة إلى تصحيح يخرج به من دائرة الفهم الجزئي وطغيان الطابع العقابي والقانوني عليه، فالشريعة عدل وحرية وإنصاف واستقامة، ثم هي ردع وعقاب وعكس البناء خطأ وخلل.

3 – لا أريد فتح نقاش هنا حول موضوع الردة والحد المقرر لها شرعا مع أن هذا النقاش مطلوب خصوصا أن دائرة الأقوال والاجتهادات تتسع في شأنها، صحيح أن المشهور والمعروف عند أغلب العلماء هو أن حد المرتد القتل اعتمادا على حديث البخاري "من بدل دينه فاقتلوه"، مع أنه أختلف في الاستتابة وحدها الزمني، هل هو ثلاثة أيام أو شهر، بل روي عن الإمام النخعي الاستتابة أبدا، ولماذا يفرق أغلب الأحناف بين المرتد والمرتدة مع أنه في جريمة الرأي لا وجه للتفريق، وأثار عدد من المعاصرين التفريق بين الردة اللازمة وتلك المتعدية التي يصاحبها تمرد أو خروج مقرين العقوبة للثانية دون الأولى، ولكني أود أن أشير إلى أن رفض الديمقراطية بحجة حد الردة لا يستقيم، لأن التشريع الجنائي كغيره من التشريعات مبني على ما يقرره المجتمع انطلاقا من خصوصيته وثقافته، وأي تشريع يجاز بالقنوات المؤسسية والديمقراطية نافذ ديمقراطيا، وعموما إذا كان العالم على استعداد للاتفاق على قيم الحرية ورفض الإكراه والعنف فلا أخال الإسلام والفاهمين من أهله إلا على استعداد لعقد من هذا النوع يعلي قيم الحرية والإنصاف وقبول الآخر وسنجد في كتاب الله ما يؤسس ويشجع: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" البقرة: 256، "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس: 99، "قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون" هود: 28، "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا" الكهف: 29، "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون" النحل: 93، "ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل" الأنعام: 107.

4 – غريب هو هذا الحرص على التفريق بين الناس عامتهم وخاصتهم، جهلتهم  وعلمائهم، نسائهم ورجالهم، صغارهم وكبارهم، وأن الديمقراطية تجعل الجميع في نفس الدرجة يختارون ويحددون المصير، بينما الإسلام يفرق ويفصل، والحقيقة أنه لا الإسلام يفرق في الشأن العام (اختيار الحاكم) ولا الديمقراطية تسوي بين الناس، أما أن الإسلام لا يفرق بين الجماهير في اختيار من يحكمهم فواضح من طبيعة البيعة التي تكون في المسجد ولا حاجب يمنع العامة أو غير العلماء أو... ومشهور ما فعله سيدنا عبد الرحمن بن عوف أثناء استفتائه "فما ترك أحدا من المهاجرين والأنصار وغيرهم من ضعفاء الناس ورعاعهم إلا وسألهم واستشارهم" وكان سؤاله "من ترى الخليفة بعد عمر" لأن الحاكم على الجميع ويتأثر به الجميع، وكذلك في الديمقراطية هناك من يرشح فعلا والناس تختار، والنخبة والأحزاب وأهل الرأي يمتازون عن المواطن العادي الذي لا يتعدى دوره غالبا أن يختار من بين خيارات، وبالتالي فالقول بهذا التناقض غير مؤسس.

5 – أما موضوع الأكثرية والأقلية والاختلاف حول اعتماد البرهان والدليل فموضوع يحتاج تحريرا فالبحث عن الدليل وقوة البرهان هو وسيلة الجميع وبه نبحث عن أكثرية تدعمه فإن لم تحصل استمر الأداء وكثف الإقناع حتى تحصل، فالدليل يتعلق بمادة الحوار والتداول، أما الأكثرية والأقلية فتتعلق بالحسم عند الاختيار ولا تقابل أو تناقض بين الاثنين، وقد بالغ بعض الرافضين لمنطق الأكثرية في هذا الرفض حتى قال إسماعيل الكيلاني: "إن الإسلام لا يجعل كثرة العدد ميزانا للحق والباطل" ونحن نعلم أن الأمر ليس كذلك فالأكثرية معتبرة علما وسياسة، قال الإمام الرازي "الخبر الذي يكون رواته أكثر راجح على الذي لا يكون كذلك" المحصول: 2 / 453، وأورد الإمام الباجي في إحكام الفصول أن المالكية في موضوع الوضوء من مس الذكر قالوا: "ما استدللنا به أولى لأنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم – وسموا – وخبركم لم يروه إلا واحد فكان خبرنا أولى" إحكام الفصول، ص: 737، وذكر الباجي أمثلة أخرى ثم علق قائلا: "فثبت أن لكثرة العدد تأثيرا في الترجيح" نفس المرجع، ص: 738، وأورد الإمام ابن القيم أن البيهقي نقل عن الإمام الشافعي متحدثا عن الصحابة: "فإن اختلفوا بلا دلالة نظرنا إلى الأكثر" إعلام الموقعين، 4 / 122.

أما في المجال السياسي فنكتفي بما أورده ابن سعد في طبقاته "قال عمر لأصحاب الشورى: تشاوروا في أمركم، فإن كان اثنان واثنان فارجعوا في الشورى وإن كان أربعة و اثنان فخذوا صنف الأكثر" الطبقات الكبرى، 3 / 61.

من هنا فإن أكثرية المسلمين معتبرة ونحن نتحدث عن ديمقراطية في مجتمعات إسلامية، ولا فرق في الحقوق في الشأن العام وإنما التفريق يكون في مجالات التخصص وما تعلق بها من شورى ومشاورة.

إن الإسلام أجمل في شأن السياسة وأعطى أهدافا وموجهات وحدد مقاصد وأحكاما، والتطبيق التاريخي في عصر الراشدين ينظر إليه بهديه العام وممارساته الكلية لا بتفاصيل الإجراءات والأشكال، من هنا فإن هذه الديمقراطية التي اهتدت إلى آليات تنظم الاختلاف وتحصره في الوسائل الحضارية والسلمية نبتة طيبة وحكمة دون شك وصدق الأستاذ محمد ولد المختار الشنقيطي حين قال: "فالديمقراطية ليست موقفا عقديا وإنما هي صيغة إجرائية تسمح لنظام العقائد والقيم في المجتمع بالتعبير عن نفسه بحرية وبتجسيد ذاته في قوانين وضوابط عملية" من مقال للكاتب.

فإذا نجح دعاة الحل الإسلامي في تحقيق هذا الهدف من هذا الطريق فنعما هي، وإن فشلوا فليس لهم إلا الانتظار والدعوة حتى يتحقق ذلك بالإقناع والتراكم، ولا سبيل لفرض الخيارات على الناس وإرغامهم على ما لا يريدون أيا كان وأيا كانوا، فالإكراه منع في الدين والإيمان، فلا يسوغ أن يكون في فهم الدين أو اجتهاد أهله أو اختيارات منتسبيه.

الخميس، فبراير 07، 2013

المنتديات العامة للتعميم


محمد الحسن ولد محمد أحمد
كاتب وباحث
asniidoumoi@gmail.com
المنتديات العامة للتعميم
في بداية العام الدراسي لسنة 2006م، كنت ضمن مجموعة حضرت ملتقى دام ثلاثة أيام في مدرسة تكوين المعلمين حول المنظومة التعليمية الجديدة وطرق توصيلها للمستفيدين....
كان الحضور مكثفا وتم توزيع المشاركين إلى ورشات عمل تقوم كل مجموعة بتدارس مصطلحات وتصويبها وإبداء الملاحظات عليها والإشكالات قبل أن يتقدم شخص من المجموعة لعرضها على المفتشين المشرفين على العمل قصد مناقشتها وتصويبها.....
أثناء إحدى الجلسات وانطلاقا مما يسمى في النظام التربوي الجديد "مقاربة الكفايات" ب "الوضعية" طرحت على المفتش السؤال التالي:
سيدي المفتش: تقولون إن " الوضعية" المقدمة للتلميذ ينبغي أن تكون "دالة" أي من محيطه الذي يعيش فيه، ونحن من خلال الكتب المدرسية لانلاحظ أن "الوضعيات" الموجودة بداخله "دالة" فكلها لاتمت إلى محيط الطفل الموريتاني بأي صلة، فما السر وراء ذلك؟ وهل جربتم النظام الجديد " مقاربة الكفايات" على بعض المدارس قبل تطبيقه لتروا مدى استجابة التلاميذ  لفهمه، ومدى قدرة المعلمين على تطبيقه، -حيث أن المعلم في النظام الجديد يخوض معركتين:
معركة: ليفهم المصطلحات الواردة في "مقاربة الكفايات" من قبيل : الوضعية – التعليمة_ الهدف المميز_ الهدف الاندماجي_ الجذاذة......
ومعركة: مع توصيل المعلومة لعقول صغار يخضعون لتجربة سياسية في المقام الأول، ولم ترع فيهم إلا ولا ذمة.
كان جواب المفتش صريحا، حيث قال لي بنوع من الحسرة : أخي لاتتعب نفسك، هذا نظام سياسي في المقال الأول تم تطبيقه بإملاآت لاعلم للأسرة التربوية بها ولم يطبق تجريبيا في أية مدرسة، وفوق ذلك عارضه الكثير من الخبراء التربويين ....نحن أخي لانتكلم عن أن "الوضعية"  "الدالة" تعني التلميذ في وقتنا الحاضر، وإنما التلميذ المستقبلي.....
ثمنت صراحة المفتش في الإجابة وأُصبت بحيرة شديدة، فكيف بنا نتعامل مع نظام تربوي نعرف أنه لايفيد هذا الجيل وإنما الأجيال القادمة، مما يعني حتما أن الجيل الحالى وقع تحت تجربة تماما كما يجرب على الفئران..
إن نظامنا التربوي بحاجة إلى قرارات تكون صادرة من خبراء مؤهلين علميا بعيدا عن القرارات السياسة التي فتكت به خلال العقود المنصرمة...
فهو لا يسعى لخلق جيل متعلم بقدر ما يركز على خلق جيل في "منزلة بين المنزلتين" ضعيف المستوى في اللغة الفرنسية، وبعيد كل البعد عن العربية.
نحن بحاجة إلى وضع أسس تنطلق من الآتي:
بناء منظومة تربوية تربى النشأ على القيم الإسلامية الأصيلة .
مراجعة كاملة للمحتوى التعليمي الموجود اليوم الذي يشتمل على نصوص لاتقدم للطفل أي شيء يستطيع من خلاله فهم الواقع من حوله .
إعادة النظر في مدارس التكوين المعنية بتكوين الطاقم التربوي.
أن يتبوأ الأكفاء المكانة التي تمكنهم من اتخاذ القرار وهم كثر لكن عزوفهم عن التطبيل لكل الأنظمة جعلهم هامشيين.
تعريب التعليم ليتمكن التلميذ من فهم أكثر ويصل إلى مستوى الإبداع، ذلك أن الشخص الذي لايقرأ بلغته "الأم"  لايستطيع الإبداع في أغلب الأحيان وهذا ما أكده الكثير من الخبراء اللغويين المختصين في مجال تطوير المناهج.
أما عن المنتديات اليوم فلتسمحوا لي بناء على ماجاء في انطلاقتها من خطابات أن أؤكد لكم أنها منتديات لتعميم قرارات سياسية في المقام الأول، ولذلك ستكون النتائج كالآتي:
طبقا للتوجيهات السامية لرئيس الجمهورية "الفقراء"  التأمت  " المنتديات العامة للتعليم" تحت إشراف الدكتور الوزير الأول ووزير الدولة للتهذيب وبحضور كافة الفاعلين " المفعول بهم"، وقد كانت الأيام المنصرمة فرصة لتبادل وجهات النظر حول تطوير منظومتنا التعليمية وجعلها تتماشى مع متطلبات "السوق"،(ذلك أن النظام اليوم لا يهتم إلا بماله صلة بالسوق(،  ومن أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها ما يلي:
-تبني روح الحوار مع كل الفاعلين للرقي بالتعليم وجعله يتماشى مع الطموحات
-زيادة مراكز التكوين المهني في أنحاء الوطن ليتمكن الشباب الموريتاني من إيجاد فرص للعمل.
-إنشاء لجنة دائمة لمتابعة المشاكل التي بقيت عالقة وعرضها على الجهات المختصة.
-سيتم إجراء نقاش مع النقابات " طبعا مع بعضهم"  لتطبيق القرارت المتخذة.
-إلزام المتخصصين في العلوم الإنسانية الرجوع إلى مقاعد الدراسة من جديد، وستكون المراكز المفتوحة " التكوين المهني" سندا لهم لتكوينهم.
-إننا اليوم أمام مجتمع عائق في وجه التنمية ذلك أن الكثير من خريجيه من الآداب، وهم لا يستطيعون المساهمة في البناء ولايجدون التوظيف وفي أغلب الأحيان يرجعون إلى بعض المواقع والجرائد للعمل فيها مما يشكل عبئا على الدولة .
-إلزام كل من تخرج قبل 3أغسطس 2008م أن يلتحق بهذه المراكز كشرط في إكمال إحصائه "البيومتري" .
والله من وراء القصد
المنتديات العامة للفقراء











الأربعاء، يناير 30، 2013

صراع الأجيال في مؤسسات التعليم العالي


قبل أزيد من ثلاثين سنة كتب الكاتب المصري توفيق الحكيم عن "صراع الأجيال" واعتبر أن كل جيل متقدم على الآخر يعتبر أن الجيل الخلف ناقص في كل شيء، في تمسكه بالتقاليد في زيه في نظرته للأشياء من حوله......
يبدو أن أغلب المسؤولين الموريتانيين قرأوا هذه القصة بتمعن، والحمد لله فلأول مرة في هذه الأرض السائبة نسمع عن من يقرأ ويطبق وإن بشكل ساذج وفهم سقيم.
يجتهد كثير من أبناء موريتانيا ويتحملون المخاطر في سبيل البحث عن المعرفة والاستزادة منها، وفي أغلب الأحياء تكون التكاليف على الفرد وليست على الدولة، ثم يفاجأ العائد من رحلة العلم والمعرفة بواقع مر ودولة لاتحترم قراراتها التي تتخذ في كل جلسة من باب أحرى أن تحترم أبناءها.
في هذه الأرض السائبة يصبح كل شي ممكنا، ويمسي مستحيلا.....تستطيع أن تنتقل من بواب إلى مدير، ومن لاشيء إلى وزير ومن مخرب معروف بالنهب إلى محارب للفساد في هذا الوطن ليس المستحيل مستحيلا ولا الممكن ممكنا.
في هذا الوطن كل إدارة وكل مؤسسة تتخذ القرارات فيها بشكل فردي تطغي عليه الذاتية والأنانية ومزاج من يتخذ القرار.
في هذه الأرض السائبة....كل شيء سائب..
يعتصر قلبك ألما أن تري مسؤولا يتحدث في وسيلة إعلام ليقنع المواطنين البسطاء بأنه يريد ويريد ويريد، وهو لايريد إلا أن يتحكم في مايتبع له بشكل ساذج .
لك أن تتصورأن مؤسسات مثل جامعة نواكشوط وجامعة العلوم الإسلامية( المعهد العالي سابقا) لايمكن لشخص أن يلجها والسبب بسيط ، هو أنك لا تحمل شهادة مثل شهادة الشخص المعني باستقبال الملفات.
الكل يعرف أن هناك "لوبيا" يتحكم في هذه المؤسسات وأن هذا اللوبي قرأ قصة توفيق الحكيم بشكل ساذج، فبدل أن يستقبلك أستاذك الذي كان يدرس بحفاوة لأنك استطعت أن تصل هذه المرحلة، فإذا به، وطبعا الأمر لايعم الجميع فهناك الخيرون لكن مبعدون عن القرار، يتلقاك بوجه تقرأ من قسماته أن لا مرحبا بك هنا.
تطير بك الأحلام وتستغرق في مشروع من الطموحات أثناء صراعك من أجل إكمال تعليمك بجهودك الذاتية ، وتعود إلى وطنك لتستفيد وتفيد، فإذا بالأمر على غير مايبدو لك.
صراع الأجيال هذا الذي تحدثنا عنه في بداية المقال يمارس في مؤسسات التعليم العالي بشكل قذر ويوحي بعدم مسؤولية القائمين.
تصوروا أن لجنة يتعلق بها مصير آلاف الأشخاص ويتعلل أهل الجامعة بعدم معادلتها للشهادة تصوروا أنها لم تجتمع منذ عشر سنوات.
معاناة حملة شهادة الماستر وصراعهم من أجل البقاء مشوار أشد عناء من التحصيل العلمي فهي رحلة أقل ما يقال فيها إنها صراع بين أجيال، بعضها تحكم وأصبح بيده القرار ويريد للآخرين أن يبقوا حيث كانوا.

. مقاطعة الصمود.... تأبى للزيارة أن تمر بسلام



تنبيه : المقال منشور أثناء زيارة الرئيس ولد عبد العزيز للمقاطعة ومنشور على السراج
تظاهرة سكانية في مكطع لحجار للمطالبة بالمياه
يبدو أن نظام ولد عبد العزيز مصر على أن يعود بالدولة الموريتانية وراء وأن يختار لتلك العودة فترة من أحلك فترات الأنظمة القمعية..
كثيرا ما يتحدث ولد عبد العزيز عن أن حق التعبير مكفول للجميع وكثيرا ما خالف ولد عبد العزيز تلك الحطابات كعادته في الانقلاب على الشرعية ينقلب على أقواله ولاغرو في ذلك فماء العود من حيث يعصر

الغريب في الأمر أن يقف شباب المقاطعة بطريقة سلمية قل نظيرها في العالم وتواجه تلك الوقفات بحملات أمنية تحمل رسالة واضحة لمن لم يتضح له نهج عزيز فعزيز رخص في التظاهر السلمي لكنه يعني بذلك: نعني بالتظاهر السلمي التظاهر لتأييدنا، أما التظاهر لنيل الحقوق والمطالبة بها فلا سلمية فيه كله فوضى....
والأغرب من هذا وذاك أن تكون هناك جحافل من مسؤولين، إن صح التعبير، تعطي أسماء المشاغبين والمشوشين على زيارة الرئيس ولاشيء يهمهم من أمر هذه المقاطعة التي كافحت سنوات صابرة على عطشها لكنها تأبى أن تشرب من كؤوس الذل والمهانة كما يشرب منها أولئك تأبى أن تكون " ايكيو يبتط أيجحدها".
سينتهي عزيز ويأتي مكانه نظام آخر وتعود لكم نفس الأوجه بعبارات مختلفة فاحذروهم فهم الآن عراة أمامكم في هذه اللحظة الحاسمة من نضالكم: يعطون الأسماء للشرطة، بل يحددون لها أماكن الشباب...
تلك هي المقاطعة قبل ساعة من زيارة الرئيس وستظل على عهدا صابرة مصابرة سائرة على طريق الشموخ والصمود أبية ممانعة لأي نوع من أنواع القمع وتحت أي غطاء .....
فكما كانت من أولى المقاطعات التي أزاحت أركان نظام ولد الطائع فإنها بحول الله ستكون سيد بوزيد موريتانيا...

الجمعة، ديسمبر 09، 2011

أزمة في بحر الأزمات...

تاريخ الإضافة : 02.12.2011 11:20:26

أزمة في بحر الأزمات...


محمد الحسن ولد محمد أحمد
تعيش موريتانيا هذه الأيام درجة من الاحتقان لم يسبق لها مثيل، فلا تكاد تمر من أمام قصر الرئاسة إلا وجدت من يعتصم أمامه من شتى الشرائح..

فهناك المعوقون، وهناك حملة الشهادات والعاطلين عن العمل والمرحلين من مساكنهم لتبدل بأرض لا توجد فيها أي خدمات أساسية. الكل مر من أمام القصر الرئاسي... فالوجهة واحدة و المطالب والمظالم متعددة بتعداد المواطنين.. حتى تشكلت مجموعة من المواطنين تحت اسم " أصحاب المظالم".

هذا الواقع المرير يصلح لأن يكون لبنة أساسية لثورة طالما حلم الشباب بها ووقفت النخب السياسية أمامه بطرق مختلفة وتبريرات تختلف من تيار سياسي لآخر.

أعتقد أن على النخبة السياسية في موريتانيا أن تكون يقظة وتقف مع مطالب ومظالم الشعوب المتعددة، وإلا فإن الانتخابات القادمة ستحمل لهم هزيمة نكراء... وحينها يتكلمون عن بطاقة ذكية... فعليهم بتدارك الوضع قبل أن يتهمهم المواطنون عكس اتهامهم للبطاقة.

في ظل الوضع المتأزم في موريتانيا تم تدشين عدة مشاريع في عيد الاستقلال الماضي وهي في أغلبها إن لم تكن كلها بقيت تراوح مكانها لحد الساعة بعد مرور سنة حسب تحقيق أجراه موقع الأخبار بمناسبة عيد الاستقلال.

وكنموذج على ذلك نأخذ مشروع تزويد مقاطعة مقطع لحجار بالمياه الصالحة للشرب، فبعد سنوات عاشتها مدينة مقطع لحجار في عطش وتلوث للمياه إن وجد، تفاجأ أهلها بخبر توقيف المشروع الذي كان من المفترض أن يزودهم بالماء، الخبر بالنسبة لي لم يكن مفاجئا لمعرفتي أننا في "زمن الإلغاآت" كما عبر عن ذلك أحد الكتاب.

لكن المفاجئ لي في الأمر أن ساكنة المقاطعة تفاجئوا!
كلما جاءت حكومة علق عليها أهل المدينة الآمال في تزويدهم بالماء الصالح للشرب، لكن ذلك الأمل كان يتحول في كل مرة إلى سراب من سرابات الوعود التي حسبوها ماء لعطشهم..

غريب أمرك يا وطني.. يثور الناس من أجل الحريات.. فلا تثور أنت من أجل الضروريات!

يثورون لأن عربة دهست و صفع صاحبها... فلا تثور حينما تحرم من الماء! يثورون لوضعهم فلا نراك تثور ثائرتك إلا حينما يكون الأمر لا يتعلق بك... نعم "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم" لكن من لم يهتم بأمور نفسه ما حكمه؟ !

تثور الأحزاب... إن قلصت صلاحياتها فتكون أنت المواطن المسكين وقود تلك الثورة ولا تتعظ بها لترجع إلى رشدك وتعرف أن الأحزاب عندنا تهتم بمصالحها أكثر من اهتمامها بالمواطنين وإن تظاهرت بالدفاع عنهم جاء الدفاع في درج القول... وإن فاوضت كانت هموم المواطنين في مجالس المفاوضات كواو عمرو.

يثورون... وأنت لا تجد ما تشرب على الأقل لتستمر معهم في ثورتهم المتواصلة والتي لن تتوقف ما دمت أنت موجودا ولا محل لك من الإعراب بل لا تستطيع الإعراب "التغيير".

يثورون... أي نخبة هذه وأي أحزاب تلك التي تدعي أنها تمتلك شعبية... عن أي شعبية تتحدثون... من منكم زار " آدواب" و"الفركان" لا بل حتى من منكم زار المدن الداخلية في غير مناسبة انتخابية والزيارة حينها له ولمنصبه الذي لن يتذكر فيه الضعفاء إلا حينما يقترب الموسم الانتخابي...

والله لا يمتلك الشخص نفسه ولا حق الاختيار في مفرداته حينما يتكلم عن وطنه أو بالأحرى عن مقاطعته وهي تعيش وضعية كارثية لا تستطيع القواميس وصفها.

مقطع لحجار... كلمة صارت ترتبط في الآونة الأخيرة بالعطش وندرة الماء بل وتلوثه إن وجد منه ما يبل الريق.

لم يثر أهل مكطع لحجار فعرباتهم ما زالت مكانها... نعم عرباتهم... فالعربات التي تُحدث وتُوقد الثورة عندنا غير التي عند الآخرين فهي تعني بالمقام الأول أن هناك من يتحكم ويستطيع إيقاف العربات "تطلعات المواطنين" كي لا تتحرك...

لا أدعوكِ مقاطعتي العزيزة للثورة... فوقتها لم يحن بعد لأن حرية التعبير مكفولة للجميع والأحزاب عندنا بعدد رؤوس الأبقار!.

لا تثوري... بل ابتدعي نوعا جديدا من الثورة، أليس الصمت المطبق والصبر الطويل والتحمل الشاق... أليس ثورة من نوع آخر...؟

عزائي فيك مقاطعتي العزيزة أنك لست العطشى وحدك فالوطن كله في نفس حالتك إن لم تكن الحالة أدهى وأمر في بعض مدنه.

أبناؤك لم يجدوا متنفسا إلا على صفحات "الفيس بوك" و"المدونات" فنفثوا فيها كلما يختلج داخل صدورهم من تذمر على الوضع الكارثي الذي يهدد أهلهم، عساهم بذاك الدور أن يحركوا القضية أو على الأقل ينتزعوها من السياسيين بوصفها تتعلق بحياة بشر لا مجال للمزايدة فيها، فمشكلة المياه ظلت وجبة سياسية دسمة يتناولها كل المترشحين، ويعِدُ كل من جانبه بحلها وأنها لا تحتاج سوى القليل من التذكير، فالتمويل جاهز لكن المتابعة الإدارية هي المتبقية، وحينما ينتهي الموسم السياسي يتيه الكل في تلك المتابعة المزعومة...

تلك مآسي مقاطعة تعبر عن وطن ضرب أروع أنواع الثورات في الصمت من قبل مسؤوليه وإن تحركوا جُعل الأمر في قالب سياسي للاستهلاك فقط... تلك ثورتنا فليرنا الآخرون ثوراتهم...؟

كثيرا ما تردد في الآونة الأخيرة سؤال مفاده هل بالإمكان أن تحدث ثورة فى موريتانيا كما في تونس ومصر؟

وأعتقد أن وضع مقاطعتنا، وغيرها من مقاطعات الوطن المنكوب كفيل بالإجابة عن السؤال فمن لم يثر من أجل الماء والكهرباء والخدمات الضرورية فثورته لسبب آخر تثير الاستغراب...؟.

إلا أن يكون السؤال المطروح: هل يمكن لمسؤولينا أن يصنعوا الثروات... وقد فعلوا...

أعتقد أن المعارضة معنية اليوم بتحمل مسؤولياتها اتجاه ما يحدث، فوطننا مليء بأسباب الثورات منذ زمن بعيد، ما ينقصه هو أن تكون هناك طبقة سياسية تستطيع أن تسير مع رغبات المواطنين من أجل انتزاع حقوقهم بطريقة سلمية وتطلعاتهم المشروعة في بناء وطن ينعم فيه الجميع بالخدمات الضرورية دون منة من زيد أو عمرو.

وما دامت الأحزاب السياسية تتفرج على المشهد من الخارج وكأنهم في عالم آخر، غير الذي يوجد فيه المواطنون، ما دامت كذلك أعتقد أن على الموطنين أن يقوموا بثورة على كل شيء بدء بالأحزاب وانتهاء بالأنظمة القمعية الارتجالية "الإلغائية" التي لا تحترم شعبها